الحرم الابراهيمي الشريف
يقع في الركن الجنوبيّ الشرقيّ من المدينة الحديثة، في حين كان يتوسطها قديمًا وتحيط به الأحياء من كل ناحية. يعتبر رابع مقدسات الإسلام، وثاني مقدسات فلسطين بعد المسجد الأقصى. استمرت قدسيَّة المكان والتبرُّك به وبمشاهدة قبور الأنبياء من صدر الإسلام حتى يومنا هذا،
الحرم الإبراهيميّ من أهم المنشآت المعماريَّة التي ارتبطت بمدينة خليل الرحمن وتاريخها. بُنِيَ الحرم الإبراهيميّ داخل الحير (السور) الذي أنشأه الملك هيرودوس حاكم فلسطين في الفترة الرومانيَّة المبكرة ( 37– 4 ق. م.) وهو مبني من حجارة منحوته ضخمة يزيد طول بعضها عن سبعة أمتار ونصف، وعرضها يقارب المتر، ويزيد ارتفاع جدران المسجد عن خمسة عشر مترًا. وفي الفترة البيزنطيَّة بنيت كنيسة داخل الحير، إلا أنها هُدمت أثناء الغزو الفارسيّ لفلسطين عام 614م. وبعد الفتح العربيّ الإسلاميّ لفلسطين عام 638م. حظي الحرم الإبراهيميّ باهتمام خاص، وأُقِيم المسجد، وبُنيت المقامات على قبور الأنبياء، ووُضِعَت الشواهد عليها. وأصبحت الخليل، في الفترة العربيَّة الإسلاميَّة، المدينة المقدسة الرابعة، حيث يقصدها الحجاج المسلمون للزيارة من أنحاء العالم كافَّة، ولاقت كل التبجيل والتقديس من حكام الدول الإسلاميَّة المتعاقبين ومن العلماء وسائر الوافدين.
قام الصليبيون في عام 1100 بتحصين المدينة وبناء قلعة حصينة بجانب المسجد الإبراهيمي عرفت باسم قلعة "القديس أبراهام" وتَحوَّل المسجد الإبراهيميّ إلى كنيسة، وفي عام 1187م. استعادها صلاح الدين الأيوبيّ وحَوَّلَ الكنيسة إلى مسجد، ونقل إليه منبر مدينة عسقلان، وهو الآن من التحف الخشبيَّة النَّادرة، وأضيف إليه أربع مآذن بقي منها اثنتان.
مع انتهاء الحرب العالمية الأولى، دخلت القوات البريطانية مدينة الخليل فصارت تحت الانتداب البريطاني، وشكَّل "المجلس الإسلامي الأعلى" لرعاية شؤون الأماكن الإسلامية في المدينة. وقام المجلس بالعديد من التحسينات في عمارة المسجد.
وبعد انسحاب بريطانيا من فلسطين عام 1948، أصبحت مدينة الخليل رسمياً تحت حكم الأردن، بعد قرار وحدة الضفتين عام 1950 وأنجزت في ذلك العهد إصلاحات عديدة وهامة للمسجد الإبراهيمي.
بعد أن وقعت مدينة الخليل تحت الاحتلال الإسرائيلي بعد نكسة يونيو/حزيران عام 1967، شرع المستوطنون الإسرائيليون بالاستيطان في محيط المدينة ثم في داخلها، وقاموا بالاعتداء على المسجد الإبراهيمي مرات عديدة بهدف تحويله إلى معبد يهودي، بحماية مباشرة من القوات الأمنية الإسرائيلية.
وفي فجر يوم الجمعة في منتصف رمضان الموافق 25 فبراير/شباط 1994، وقع أشهر الأحداث التي شهدها الحرم وهي مذبحة الحرم الإبراهيمي حين دخل الإرهابي الصهيوني باروخ غولدشتاين المسجد الإبراهيمي بإذن القوات الإسرائيلية عندما كان المسلمون يصلون صلاة الفجر، حاملاً معه بندقية آلية وعدداً من الذخائر المجهزة وفتح النار على المصلين مما أدى على الفور إلى استشهاد 29فلسطينياً، وإصابة أكثر من 15 آخرين بجروح قبل أن يستطيع المصلون الوصول له وقتله.
وبعد المجزرة شكلت لجنة لتقصي الحقائق باسم "لجنة شمغار"، والتي خرجت بتقريرها بعد 4 أشهر بإدانة عامة للمجزرة وبرأت الحكومة والجيش الإسرائيليين من التواطؤ. وقد خرجت اللجنة بتوصيات عديدة كان أخطرها تقسيم الحرم الإبراهيمي بين المسلمين واليهود.
حوَّل الاحتلال جزءاً من المسجد إلى كنيس يهود فأصبح 60% من مساحته لليهود، والباقي للمسلمين وقام بفصل هذين الجزأين عن بعضهما بحواجز وبوابات حديدية محكمة ووضع فيها ثكنات عسكرية للمراقبة. وتنشر السلطات الإسرائيلية 22 حاجزاً حول الحرم الإبراهيمي، منها تقريبا 6 حواجز تعيق دخول المصلين إلى المسجد بجانب المضايقات التي يواجهها الزوار الذين يزورون المسجد من الجانب الفلسطيني. وفي محاولة منها لفرض سيطرتها الكاملة على الحرم وتحويله لمنشأة تاريخية يهودية، شرعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في يوم الثلاثاء الموافق 10-8-2021 ببناء مصعد كهربائي في الحرم الإبراهيمي تكريساً لسياسة التهويد التي تتبعها.