حمام سيدنا إبراهيم الخليل

حمام سيدنا إبراهيم الخليل​

يقع الحمام في حارة الداريَة قرب خان الخليل، وهو من العقارات الوقفية والأثرية المهمة في المدينة، ويعتبر من أقدم الحمامات الاسلامية في فلسطين. أنشئ في العصر المملوكي بأمر من الأمير علاء الدين ايدغدي (1266- 1294م)، والذي شارك بنفسه في عملية وضع الأساسات الأولى له مع العاملين والمهندسين والصناع، وتقدر مساحة الحمام بأكثر من 450 متر مربع. زُود الحمام بالمياه من خلال عدد من الينابيع التي كانت تزود البلدة القديمة بالمياه كعين عرب وعين السماقية وغيرها وكان للحمام بئرين لتخزين المياه اللازمة لسد حاجته.

يقع الباب الاصلي للحمام في جهته الجنوبية الغربية. أستخدم في تزين واجهته  الأمامية  الزخارف المملوكية المكونة من حجر الأبلق (حجارة مبنية في صفوف متبادلة بالألوان الأصفر الفاتح والأحمر والأسود) والمقرنصات التي منحت المبنى شكلا غاية في الدقة والتناسق الهندسي. ويؤدي الباب إلى مجاز يوجد على جوانِبِه مكسلتين (مصطبتين) للجلوس، وفي نهايته مدخل جانبي يفضي إلى داخل الحمام بحيث يوفر الخصوصية المطلوبة لمستخدمي الحمام. اثر إنتفاضة الأقصى عام 2000م، قام الاحتلال الإسرائيلي بإغلاق مدخل الحمام، فتم إستحداث مدخل خلفي للحمام في جهته الشمالية عام 2005م.

اقسام الحمام

يتكون الحمام من ثلاثة أقسام رئيسية مختلفة في وظيفتها ومتدرجة في حرارتها من البارد للمعتدل فالحار وهي:

  1. القاعة الخارجية "البراني": هي قاعة ذات حرارة  باردة نسبيا تتكون من باحة مستطيلة الشكل مسقوفة بعقد له اقواس مدببة تعلوه قبة نصف كروية لها رقبة مضلعة يتخللها شبابيك صغيرة للإضاءة، واشتملت القبة على العديد من الفتحات المكسوة بسدادات من الزجاج الملون الذي يسمح بنفاذ الضوء وأشعة الشمس إلى داخل الباحة. تتوسط القاعة  نافورة ماء مثمنة ويحيط بجوانبها مصاطب واسعة يتم الوصول إليها بدرج حجري، كانت تُفرش بالأرائك والمساند  والسجاد "المزاود" ليستريح عليها المستحمون، وكان لها دربزين خشبي تعلق عليه المناشف، ويوجد في واجهة المصاطب كوات صغيرة لوضع أدوات الاستحمام من ليف وصابون وقبقاب. كما واستخدمت هذه القاعة للراحة والحفلات واحتساء المشروبات المتنوعة وتدخين النرجيلة وتبادل أطراف الحديث بين زوار الحمام. وكان صاحب الحمام "المعلم" يجلس على مصطبة  تسمى بتخت المعلم تقع بجانب مدخل الحمام ليستقبل الزبائن، ويضع الودائع والأمانات  في صندوق خشبي مقسم إلى أقسام متعددة. وفيه يقوم الزبائن بخلع ملابسهم عند دخول الحمام، ويلبسون الزي الخاص بالاستحمام، ويعود المستحم اليه مرة أخرى بعد الإنتهاء من جميع أقسام الحمام لإرتداء ملابسه النظيفة.
     
  2. القاعة الوسطى "الوسطاني": وهي قاعة معتدلة الحرارة، وأصغر مساحة من القسم البراني، ويبقى المستحم فيها فتره من الزمن ليتأقلم مع حرارة الحمام قبل الدخول إلى قاعة الحمام الحار "الجواني" وبعد الخروج منها. وهي محطة للراحة بعد الإنتهاء من أخذ الحمام الحار، وأرضيتها مبلَطة بالبلاط السلطاني الحجري وتحتها يوجد سرداب متصل ببيت النار والمدخنة لتسخين القاعة وإخراج الدخان خارج الحمام، وللقاعة سقف نصف برميلي فيها العديد من الفتحات مغلقة بسدادات من الزجاج الملون. وتتضمن القاعة إيوان (مقصورة) يستريح فيه المستحمين خلال فترات الاستحمام، أو أثناء تدليك الجسم، وتضم أيضا خلوة النورة عند مدخل القاعة الوسطى التي كانت تستخدم لإزالة الشعر، وفيها صنبورين للماء البارد والساخن. 
     
  3.  القاعة الحارة "الجواني": وهي قاعة مثمنة الشكل يتم الوصول إليها من خلال القاعة الوسطى عبر ممر ضيق ومنخفض للمحافظة على حرارتها، وأرضيتها مبلطة بالرخام السلطاني الملون (توجد فيها حاليا فتحة حديثة في المنتصف) ، وسقفها مقبب مزخرف بالمقرنصات، وفيه فتحات مغلقة بسدادات زجاجية ملونة تسمح بمرور الضوء مضفيةً جواً جميلاً يبعث على النشاط والفرح، وفي بعض الاحيان تنزع هذه السدادات لتهوية الحمام. وتحتوي القاعة على ثلاثة إيوانات (مقاصير) بالقرب من الموقد "بيت النار"، ويوجد في كل واحدة منها حوض للماء الساخن أو أكثر  يصله الماء  عبر شبكة انابيب فخارية والتي تقع تحت أرضية الحمام وفي جنباته، وكان يتم في هذه القاعة فرك وتلييف الجسم المعروف بـ"التكييس"، وتتصاعد فيها الأبخرة نتيجة الحرارة العالية. وتضم زوايا القاعة أيضاً أربع غرف تحتوي على أحواض للإغتسال مسقوفة بقبب صغيرة فيها فتحات مغلقة بسدادات زجاجية ملونة.
     
  4. الموقد "بيت النار او القميم": ويقع في  شرق القاعة الحارة، وهو قسم خارجي مُلحق بالحمام، وله مدخل خاص ومدخنة لطرد الدخان للخارج، وبه أواني نحاسية "قدر" لتسخين الماء، وتستخدم فيه الأخشاب والمواد العضوية الأخرى القابلة للإشتعال ويرتبط الموقد مع القاعة الحارة والمعتدلة بشبكة من القنوات والأنابيب الفخارية التي تعمل على تسخين المياه وأرضية الحمام في الأماكن المطلوبة لذلك.

 

طاقم العمل في الحمامات القديمة

المعلّم: وهو مالك الحمام أو مستأجره، ويتولى إدارة الحمام و يستلم من الزبون حوائجه الشخصية وأجرة الاستحمام.

الناطور: يقوم بإستقبال وخدمة الزبائن في قسمي البراني والوسطاني، وينوب عن المعلم في حال غيابه، يساعد الزبون في خلع ملابسه، ويقدم له المناشف الخاصة بالاستحمام، والمشروبات المتنوعة بعد الإنتهاء من الاستحمام.

الريس (المُكيّس): وظيفته تلييف وتفريك الزبون بالصابون والماء، ويقتصر عمله داخل القسم الجواني للحمّام.

التُبّع أو البلان: يعمل في جميع أقسام الحمام وينظفه ويقوم على خدمة الزبائن، ويغسل رؤوسهم ويجهز خلوة (مقصورة) النورة، ويساعد المكيّس والناطور عند الحاجة. ويقوم التبع في بعض الأحيان بجميع مهمات الناطور.

القميمي: وهو الذي يوقد النار ويسخين الماء في الموقد.وعندما يكون الحمام مخصصاً لأوقات دخول النساء، فإن  طاقم العمل يصبح مكوناً من النساء والذي يضم المعلمة، الناطورة، الأسطة (بمثابة الريس عند الرجال)، والبلانة (بمثابة التبع عند الرجال).

إغلاق الحمام وإعادة إستخدامه

وقعت بلدة الخليل القديمة تحت الإحتلال الإسرائيلي عام 1967م، وانتهج الإحتلال سياسة التضييق على سكانها مما أجبر عدد كبير منهم لترك بيوتهم، ونتيجة للتغير الإجتماعي والثقافي والميل للحداثة والتطور تم الإستغناء عن الحمامات العامة لصالح الحمامات الخاصة في البيوت الحديثة وتراجع جدواها الإقتصادي بسبب عدم قدرة أصحابها على تغطية التكاليف التشغيلية الأمر الذي أدى إلى توقف عمل حمام إبراهيم الخليل في ثمانينات القرن العشرين.

أعيد استخدام حمام إبراهيم الخليل كمتحف وذلك بعد قيام لجنة إعمار الخليل بترميمه عام 1997م بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار، ولكن تم إغلاقه  عام 2000م إثر اندلاع انتفاضة الأقصى، وقيام  الاحتلال الإسرائيلي بإغلاق باب المتحف الرئيسي والاعتداء عليه ونهبه من قبل المستوطنين وتحويل سطحه لثكنة عسكرية.

وفي عام 2014م، بدأت لجنة إعمار الخليل بترميم المبنى مجددا بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار وبتمويل من الحكومة الايطالية، لتحويله إلى مركز للزوار في البلدة القديمة وذلك بعد أن تم استحداث مدخل خلفي للحمام يتصل مع السوق الرئيسي، ويسهل الوصول اليه.