سبسطية
تقع سبسطية على بعد 12 كم إلى الشمال الغربي من مدينة نابلس، عند تقاطع طريق السهل الساحلي الفلسطيني مع الطريق الشمالي الذي يربط بين نابلس- جنين والطريق المؤدي إلى وادي الأردن، وتتمتع بإطلالة جميلة ومشهد خلاب تظهر فيه الأراضي الزراعية الخصبة. وتشير التقاليد المسيحية والإسلامية إلى وجود قبر يوحنا المعمدان (النبي يحيى عليه السلام) في البلدة.
أظهرت التنقيبات الأثرية العديدة التي نفذت في الموقع منذ مطلع القرن العشرين بأن أقدم الدلائل الأثرية تعود للعصر البرونزي المبكر (3200 ق.م)، وكُشف أيضاً عن قسم من معالم مدينة العصر الحديدي الثاني (الذي يعود للقرن التاسع والثامن قبل الميلاد)، واشتملت على المدينة العليا "الأكروبولس"، وكشف كذلك عن الأسوار المحيطة بالموقع، وتحتوي المنطقة المسورة على ساحة مركزية وقصر، عثر فيه على زخارف عاجية منحوتة. أصبحت سبسطية مدينة محصنة خلال العصر الحديدي (حوالي 900-538 ق.م). وقعت المدينة عام 722 ق.م تحت سيطرة الآشوريين، ولاحقا تحت الحكم الفارسي عام (538-332 ق.م). واستمرت سبسطية بدورها الإداري خلال الفترة الهلينستية(332-63 ق.م)، بعد خضوعها للإسكندر الأكبر، وأقيمت التحصينات الضخمة حول المدينة العليا "الأكروبوليس" وأحيطت بأبراج دائرية.
بعد خضوع سبسطية للحكم الروماني (63 ق.م حتى 324 م)، أصبحت المدينة جزءاً من مقاطعة سوريا. ومنحها الإمبراطور أوكتافيان للملك هيرود عام 30 ق.م، ليحكمها باسم روما، وبعد أن حصل أوكتافيان على لقب أغسطس من مجلس الشيوخ الروماني عام 27 ق.م، أطلق هيرود عليها الاسم الاغريقي "سبسطي" وتعني "المبجلة" تكريماً له، ثم منحها الإمبراطور سبتيموس سيفيريوس مكانة إدارية "كولونيا" في عام 200 م.
خلال الفترة الرومانية شهدت المدينة تنفيذ مشروع بنائي ضخم، والذي احتوى على سور المدينة، والبوابة الغربية، والشارع المعمَّد الذي أقيم على إمتداده 600 عمود، بالإضافة إلى البازيليكا "السوق"، والساحة العامة، والمسرح، ومعبد اغسطس، ومعبد كوري، والملعب الرياضي، والقناة المائية، والمقابر.
أصبحت سبسطية خلال الفترة البيزنطية (324-636 م) مركزًا أسقفيًّا مرتبطًا بوجود قبر يوحنا المعمدان (النبي يحيى عليه السلام). فأقيمت فيها كنيستين، إحداها تقع إلى الجنوب من تلة الموقع الاثري. بينما بنيت الاخرى في بلدة سبسطية الحديثة. عام 636م فتحت المدينة من قبل المسلمين مع باقي انحاء المنطقة بقيادة عمرو بن العاص،
وخلال الفترة الصليبية (1099-1187م) انشئت كاتدرائية ضخمة فوق أنقاضها، و بعد أن قام الايوبيون بقيادة حسام الدين محمد بن عمر لاشين بتحرير سبسطية من الصليبيين حُول قسم الكنيسة إلى مسجد في الفترة ما بين (1187م-1225) ثم أضاف الأيوبيون منبراً للمسجد، ووالذي عُرف باسم مسجد النبي يحيى (عليه السلام)، ثم بُني في العام 1892م مسجداً عثمانياً على القسم الشرقي من الكاتدرائية، وقام السلطان عبد الحميد بإضافة مئذنة للمسجد، وفي الفترة العثمانية المتأخرة قام احد الزعماء المحليين وهو "المشاقي" بإضافة غرفتين وليوان واستعملت كمدرسة، ثم مكتبه عامه، واخيراً تم اعادة تأهيلها متحفا للأثار بالتعاون ما بين وزارة السياحة والاثار الفلسطينية وبلدية سبسطية، وقد كان لتأسيس هذه المدرسة الاثر الكبير في الحركة التعليمية المبكرة لأبناء البلدة، حيث انشات اول مدرسة سنة 1882م من قبل الانجليز البروتستانت، وفي 1903م قام العثمانيون بإنشاء مدرسة اخرى للبنين والبنات، وفي نهايات الفترة العثمانية كانت سبسطية إحدى قرى الكراسي ظهرت في مناطق مختلفة من فلسطين، حيث شيد القصور الشامخة التي تعكس التمايز الاجتماعي والسياسي التي تمتعت بها العائلات المتنفذة، فشيد قصر الكايد التابع لعائلة الكايد وكذلك قصر الحواري العائد لعائلة الحواري، وتتميز تلك القصور بالطابع المعماري الوالتخطيطي المميزين، حيث يتألف القصر من طابقين يتوسطه ساحه سماوية مفتوحة ، فالطابق الارضي كان يستخدم للضايفة والخدمات بينما الطابق العلوي كان يستخدم كغرف للنوم من قبل الشيخ وعائلة، تم التركيز على الواجهة الرئسية للقصر البوابات من خلال ابراز الطرز المعمارية والفنية فيها، فلى جانبي البوابة ظهرت المقاعد الحجرية واليت عُرف بالمكاسل، ويعلو قوس المدخل نقشاً تأسيسيا، يذكر في تاريخ البناء واسم الباني. حيث تعتبر البلدة التاريخية بأحواشها وشوارعها وأزقتها الضيقة نموذجًا للعمارة التقليدية الفلسطينية لقرى الكراسي التي سادت أوآخر الفترة العثمانية. نفذت سلسلة من أعمال الترميم في نواة البلدة التاريخية، والتي شملت المسجد، وضريح النبي يحيى، وكاتدرائية يوحنا المعمدان، والمقبرة الرومانية، ومعصرة الزيتون، وقصر الكايد والمباني التقليدية، بالإضافة إلى المسار السياحي. وتم تنفيذ مشروع مركز تفسير المعلومات من قبل وزارة السياحة والآثار بالتعاون مع بلدية سبسطية وبدعم من الحكومة الاسبانية. بالإضافة لتأهيل ساحة البيدر، تعتبر البلدة الحالية من سبسطية، وبقاياها الاثرية والبلدة التاريخية والمشهد الحضاري نقطة جذب سياحية رئيسية في فلسطين. وهي مدرجة على القائمة التمهيدية لمواقع التراث الثقافي والطبيعي ذات القيمة العالمية في فلسطين.
