خربة ارتاح
وصف الموقع: احدى أهم المواقع الأثرية في محافظة طولكرم، تقع على بعد حوالي 3كم إلى الجنوب من المدينة ، وقد أخذت القرية والخربة موقعا متميزا عند نهاية تلة تشرف بشكل مباشر على سهول زراعية خصبة تتصل بالسهل الساحلي الفلسطيني على البحر المتوسط ، وما يؤكد على أهمية الموقع غزارة مياهها الجوفية التي تظهر على أعماق قليلة نسبيا اذ أن المياه الجوفية كانت تظهر على أعماق تبدأ من 60 مترا عن السطح، وقد كان ذالك سببا كافيا للتوسع في المجالات الزراعية وتلبية احتياجات السكان من مياه الشرب بالإضافة إلى تزويد القوافل التجارية بالمياه اللازمة على مر العصور . يظهر من دلالات تسمية الخربة والقرية أهمية الموقع التجارية منذ أقدم العصور، فان أهم المعاني وأقربها للحقيقة لكلمة ارتاح هو معنى الراحة أو الاستراحة من عناء السفر، ويرتبط ذلك بالعلاقة المباشرة للخربة باستقبال القوافل التجارية المتجهة من وإلى موانئ البحر المتوسط وربطها بالداخل الفلسطيني . وما يؤكد على علاقة الخربة بالحركة التجارية موقعها المتوسط بين المناطق الساحلية والداخلية.
تظهر المسوحات الأثرية السطحية والبقايا الأثرية الظاهرة في الكثير من أجزاء القرية من أساسات أبنية أثرية ومدافن ومغر ومخلفات فخارية أثرية، تؤكد بمجملها على أن الموقع كان مأهولا منذ العصور البرونزية خاصة العصر البرونزي المتأخر، ولكن الموقع لم يخضع للتنقيبات الأثرية الكافية للتعرف على الطبقات الحضارية والعصور المختلفة التي مر بها بشكل مفصل ، ويرجح أن الموقع خلال العهد الروماني والبيزنطي والعهد الإسلامي المبكر شهد توسعا لافتا، ويظهر ذالك من اتساع المساحة المقامة عليها الخربة التي تقدر بحوالي بعشرات الدونمات ، تتألف الخربة من قسمين القسم الشمالي ويمثل المكان الذي تقوم عليه البلدة القديمة حاليا، ويظهر أن هذا القسم كان يضم مباني الخربة عبر العصور، يظهر ذلك من خلال تراكم الطبقات الأثرية وبقايا الأبنية وأساسات الأبنية الأثرية في غالبية أجزاء مسطح القرية القديم .
أما ا القسم الجنوبي ، وهو بطبيعته عبارة عن مسطحات صخرية فقد استعمل على مر العصور لدفن الموتى بحسب الطقوس المتبعة للدفن على مر العصور ويظهر ذلك من وجود عدد كبير من المدافن الأثرية والمغر التي تضم مقابر أثرية في معظم مواقع السفح الجنوبي، ويضم هذا الجزء مقبرة إسلامية ومقام بنات يعقوب، وقد استغلت أجزاء من القسم الجنوبي للخربة لإغراض الزراعة وأيضا اكتشفت فيها معصرة العنب الأثرية وهي من أهم المكتشفات الأثرية في الموقع . ويضم القسم الجنوبي أيضا مصنع الفخار التقليدي الذي لا يزال ينتج الأواني الفخارية لوقتنا الحالي . إن تكامل عناصر خربة ارتاح الأثرية وتنوعها جعلت منها موقعا يستحق العناية والتطوير نحو مقصدا جاذبا للسياحية الداخلية والأجنبية ، فيشكل موقع مقام بنات يعقوب ومعاصر العنب الأثرية ، ومصنع الفخار القائم ،والحمام الروماني وغيرها من العناصر والمكونات مشهدا حضاريا مميزا .انعكست أهمية الموقع على اهتمام رسمي بالموقع ، فقد قامت وزارة السياحة والآثار بالعديد من المشاريع لتطوير الموقع كحديقة أثرية كان من بين هذه المشاريع، ترميم وإعادة تأهيل مقام بنات يعقوب ومحيطه، أعمال تنقيب واستكشاف معصرة العنب الأثرية ، تطوير مصنع الفخار. ومن جهتها قامت بلدية طولكرم وما تزال بأعمال تطوير الموقع وإدارته والحفاظ عليه بالتعاون والتنسيق مع وزارة السياحة والآثار، حاليا تقع إدارة الموقع على عاتق بلدية طولكرم بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار.
مصنع الفخار
تعتبر صناعة الفخار من أهم وأقدم الصناعات في العالم، وقد لعبت هذه الصناعة دورا هاما في الحضارة الإنسانية ،وما يميزها أنها صناعة صديقة للبيئة فخاماتها الأساسية عبارة عن الطين أو بعض أنواع الصخور، وبعض المواد الطبيعية المضافة، وقد كانت الأواني الفخارية شائعة في العصور الغابرة، في البداية عرف الإنسان القديم تشكيل الأدوات من مادة الطين المجفف بواسطة الشمس، ويعتقد أنه لاحظ من خلال الصدفة أن الأدوات الطينية تكتسب خصائص إضافية في حالة تعرضها للنار ولدرجات حرارية عالية.
ومن بعدها بدأت عملية التطور في هذه الصناعة. خلال العصر الحجري الحديث ظهرت صناعة الفخار في فلسطين. استمرت صناعة الفخار كحرفة متوارثة في المجتمع الفلسطيني على مر العصور ولكن وبعد التطور الحضاري ودخول المواد الأخرى في صناعة الأواني مثل الزجاج والمعادن والبلاستيك، بدأت هذه الحرفة بالانحسار مع نهاية العهد العثماني. و
بقيت هذه الصناعة تقتصر حاليا على الاستعمالات الفنية والزخرفية فقط، ويمثل هذا المصنع في ارتاح أحد المصانع التقليدية النادرة في فلسطين، وكان السيد أبو خليل الفاخوري يقوم على متابعة العمل بهذه المهنة في نفس الموقع الذي ورثه عن أجداده وربما تعود جذور هذا المصنع لمئات السنين، ولا تزال تقنية صناعة الفخار التتم بالطرق التقليدية المعتمدة على العجلة ذاتها التي عمل عليها الفخراني الفلسطيني قبل ما يزيد عن خمسة آلاف سنة. وحتى الفرن المستخدم في هذا المصنع لا يختلف بتقنيته عن الفرن الذي كان يستخدم في الألف الثالث ق.م. لعب الفخار دورا محوريا في علم الآثار على المستوى العالمي والمستوى الفلسطيني، فقد اعتمد علماء الآثار على المميزات الخاصة للبقايا الفخارية في تأريخ الطبقات المتتالية للعصور التاريخية. فقد كان لكل عصر وحقبة تاريخية علامات مميزة في صناعة الفخار وخصائصه سواء التقنية أو الزخارف الملحقة به من خلالها يتم تحديد العصر الذي تمثله كل طبقة.
الحمام الروماني
تظهر الدلائل الأثرية وبقايا الأبنية إلى أن موقع خربة ارتاح كان يضم بناء حمام عام يعود إلى الفترة الرومانية، تعرض مبنى الحمام إلى الكثير من أعمال التدخل والتغيير خلال العصور اللاحقة خاصة العصور الإسلامية جراء إضافة بناء مقام بنات يعقوب على الجزء الأهم مبنى الحمام، وما تبقى منه حاليا بركة الماء المزدوجة التي كانت تغذي الحمام بالمياه اللازمة، ومن المرجح أن المياه كانت تتدفق من هذه البركة إلى الحمام عبر أنابيب فخارية تحت أرضية معتمدة على قوة الجاذبية في الانسياب ومن المعتقد أنه كان يتم تغذية البركة بالمياه من أحد الينابيع المجاورة، سيما وأن منطقة ارتاح مشهورة بغزارة مياهها وينابيعها عبر التاريخ وحتى الوقت الحاضر، ومن البقايا الأخرى للحمام الجدران التي تظهر في معظمها تحت مستوى أرضية المقام. كان للحمامات العامة الرومانية نظاما موحدا للبناء وهي جزء هام من النسيج العمراني للمدن الرومانية.
كان التخطيط العام لهذه الحمامات يرتكز على ثلاثة أقسام رئيسية، الجناح الخارجي (القسم البارد) وعادة ما يكون على شكل قاعة واسعة مخصصة لاستقبال رواد الحمام والاستعداد للاستحمام وتكون حرارته معتدلة، ومن ثم القسم الذي يتوسط البناء ويضم حجرات الاستحمام وهو الحمام الساخن الذي تتم فيه عملية الاستحمام الرئيسية. ثم القسم الثالث الداخلي وهو القسم الأكثر حرارة (قسم البخار). وقد كانت عملية تسخين المياه تعتمد على الأخشاب لتسخين المرجل الموجود أسف أرضية الحمام ومن هذا المرجل كانت تتوزع شبكة مواسير الفخار تحت أرضيات الحمام وداخل جدرانها، وتعتمد درجة حرارة الغرفة على مدى قربها أو بعدها عن هذا المرجل.
معصرة العنب
تؤكد الدلائل الأثرية المنتشرة في كافة المواقع الفلسطينية على التطور الكبير الذي شهدته الأراضي الفلسطينية في زراعة أشجار الكرمة، وذلك خلال نهاية العصر الروماني والعصر البيزنطي. وقد واكب هذا التوسيع الزراعي تطورا في صناعة وتجارة النبيذ وتصديره إلى الخارج بما في ذلك عبر موانئ البحر الأبيض المتوسط إلى مناطق أوروبا ويأتي اكتشاف هذه المعصرة في سياق الدلائل الإضافية على تطور هذه الصناعة خلال الفترة البيزنطية. اكتشفت هذه المعصرة خلال بداية تسعينيات القرن الماضي نتيجة للتنقيبات الاختبارية التي قامت بها دائرة الآثار، وقد تبع تلك التنقيبات حفريات وأعمال كشف إضافية خلال فترات لاحقة كان آخرها ضمن مشروع أعمال تأهيل خربة ارتاح كحديقة أثرية ضمن مشروع قامت به وزارة السياحة والآثار.
تعد هذه المعصرة جزءا من موقع خربة ارتاح الأثرية، وقد أظهرت التنقيبات الأثرية معظم أقسام هذه المعصرة التي كانت تتألف من مسطحات وقنوات وحفر محفورة في الصخر الطبيعي وإضافة إلى الجدران اللازمة وأرضيات الفسيفساء ضمن نظام مدروس تم من خلال سحق محصول العنب وعصره وتصفيته ضمن مراحل متتالية ومن ثم تخزينه في جرار فخارية ومعالجته بهدف تحويله إلى نبيذ في غالبيته كان معدا للتصدير خارج فلسطين.
وقد كانت هذه المعصرة من أكبر وأهم معاصر العنب المكتشفة في الأراضي الفلسطينية خلال العهد الروماني وكانت بمثابة منشأة صناعية تعكس الانتشار الواسع لزراعة أشجار الكرمة في المنطقة المحيطة. وتبقى الحاجة إلى المزيد من أعمال الكشف وإعادة التأهيل لأطراف هذه المعصرة من أجل تفسيرها وعرضها للزوار كأحد المعالم الرئيسية لحديقة ارتاح الأثرية.